ظاهرة الغش شكل من أشكال الخيانة
ظاهرة الغش- بوصفها شكلاً من
أشكال الخيانة- تتعارض مع قيمة الأمانة، والتي هي من الفضائل الإنسانية التي تسعى
الفلسفة التربوية إلى تحقيقها لدى الطلبة. ورغم خطورة هذه الظاهرة، إلا أنها لم
تحظ بمعالجة كافية في الأدب التربوي . ولا شك أن التهاون في مكافحة
الغش من شأنه انهيار التعليم والذي يؤذن- على المدى الطويل- بانهيار حضاري سريع.
غش في الامتحانات
يمارس الطلاب الغش في
الاختبارات بطرائق مختلفة، وتطورت تقنيات الغش تطوراً مذهلاً. فمثلاً تقوم بعض دور
النشر (مراكز الخدمات الطلابية) بطبع المقررات الدراسية باستخدام بنط صغير جداً
وفي حدود صفحة أو صفحتين، يمكن للطالب حملها بسهولة قبل الدخول إلى لجنة الاختبار.
وقد تم ضبط حالات غش يستخدم
فيها الطلاب أجهزة لاسلكية، وحالات أخرى لطالبات كنَّ يخفين أجهزة تسجيل بها أشرطة
مسجلاً عليها المقرر الدراسي، ولها سماعات يضعنها في آذانهن، دون أن يسمعهن أحد.
وفي بعض دول الخليج، يستخدم بعض الطلاب الهاتف الجوال في ممارسة الغش عبر شفرات
معينة.
وفي إحدى الدول العربية ظهرت
حالات للغش الجماعي في لجان الاختبارات ببعض المدارس المقامة في الأرياف، حيث
اقتحم بعض أولياء أمور الطلاب وأقاربهم لجان الاختبار وألقوا بالإجابات مكتوبة إلى
الطلاب، أو أنهم استخدموا مكبرات صوت من على الأسوار والشرفات المجاورة للمدارس
لتوصيل الإجابات إلى مسامع الطلاب. وهكذا يتفنن الطلاب وذووهم في أساليب الغش، بل
إن المعوقين أيضاً صاروا مهرة في ذلك، حيث ضبطت حالات في مصر لطلاب أكفاء البصر
يمارسون الغش بطريقة برايل.
غش في الواجبات المنزلية
والبحوث
وإذا تجاوزنا الاختبارات، فإن
الغش يمارس أيضاً فيما يخص إنجاز الواجبات المدرسية التي يكلف بها الطلاب التي
تندرج تحت مادة «المجهود الدراسي» أو «الواجب المنزلي»، حيث يلجأ بعض الطلاب إلى
تكليف الخادمات اللاتي يعملن في منازلهم بالقيام بهذه المهمة.
ومن صور الغش المدرسي، لجوء
الطلاب إلى مراكز خدمات الطلاب التجارية لتكليفها بإعداد ما يُطلب منهم في المدارس
من بحوث لقاء مبلغ من المال. ويقدم الطالب البحث بعد ذلك باسمه.
غش غير مباشر
وهناك أيضاً ما يمكن أن نطلق
عليه «الغش غير المباشر» ، ويتمثل بقيام المعلم بتوجيه الطلاب إلى التركيز على
أجزاء محددة من المقرر الدراسي على أساس أن أسئلة الاختبار ستدور حولها، أو قيامه
بتقديم عدد من الأسئلة في المادة التي يقوم بتدريسها للطلاب، وإخبارهم أن الاختبار
سيكون من بينها.
العوامل المسببة للغش
في دراسة ميدانية حول ظاهرة
الغش في الاختبارات المدرسية بالأردن توصل الباحث فائق عامر حمدان إلى عدد من
الأسباب التي تدفع الطلبة إلى الغش في الاختبارات من أهمها: عدم الاستعداد الكافي
للاختبار، صعوبة أسئلته، الحرص على الحصول على درجات أعلى، عدم استيعاب المادة
الدراسية، كره المادة الدراسية، تهاون المراقب.
وحاولت بعض الدراسات معرفة
أسباب الغش كما يدركها الطلاب أنفسهم، فمثلاً خلصت إحدى الدراسات إلى أن «ضغط
العلامة» أي الرغبة القوية في الحصول على درجات تكفي لقبول الطالب في كلية أو معهد،
أو للحفاظ على معدل تراكمي جيد يتماشى مع متوسط درجات الطالب ــ تدفع أعداداً غير
قليلة من الطلبة لممارسة الغش في الاختبارات.
ويمكن أن نضيف إلى الأسباب
الواردة في الدراستين أسباباً أخرى، بعضها يتعلق بالنظام التعليمي نفسه، بينما
يتعلق البعض الآخر بالمجتمع الذي ينتمي إليه الطالب. وتتلخص هذه العوامل بالآتي:
1- التركيز المبالغ فيه على الاختبارات
التحريرية كمقياس للتحصيل الدراسي للطالب، مع إهمال أساليب أخرى مهمة للتقويم مثل
النشاطات المدرسية والاختبارات الشفهية والواجب المنزلي.. إلخ.
2- ضعف مستوى التحصيل الدراسي
للطالب لأسباب عدة منها سوء أداء المدرس بسبب تدني راتبه، أو ارتفاع كثافة الطلاب
في الحجرات الدراسية، أو مزاولة بعض الطلاب للعمل بعد انتهاء اليوم الدراسي.
3- مبالغة بعض المؤسسات
التعليمية في تقدير مستوى الطالب، مثل رفع الحد الأدنى لعلامة النجاح.
4- عدم وجود فاصل زمني كاف
بين الاختبارات، بل إن الطالب قد يؤدي أكثر من اختبار في اليوم الواحد. وهذا من
شأنه عدم إعطاء الطالب فرصة مراجعة المواد والتهيؤ للاختبارات، لما يعانيه من
إرهاق بدني وذهني وتوتر نفسي.
5- غياب القوة من جانب
المعلم.. فبعض المعلمين لا يتحلون بأخلاقيات مهنة التدريس كأن يقوم المعلم بتمييز
الطلاب الذين يتلقون على يديه دروساً خصوصية دون سواهم، أو أن يتعمد حجب بعض
المعلومات عن الطلبة كوسيلة تضطرهم إلى أخذ دروس خصوصية عنده.
6- ضعف الضبط الاجتماعي،
فالمعروف أن الضبط الاجتماعي أحد وظائف العملية التربوية، ويطلق عليه ابن خلدون
«الرقابة الاجتماعية» وهي جميع التدابير التي يتخذها المجتمع لحمل الأفراد على
ممارسة السلوك السوي دون انحراف أو اعتداء. ونظراً لتدهور الضبط الاجتماعي في
الأقطار النامية التي يقل فيها احترام القوانين والأنظمة والأعراف، وتكثر فيها المحسوبية،
والوساطة والشفاعة وتغيب فيها القدوة الحسنة من المسؤولين، فإن الطلاب يستبيحون
الغش بلا حرج.
7- الفساد السياسي والإداري
في كثير من البلدان النامية، والذي من مظاهره استغلال النفوذ، وأخذ الرشوة،
واختلاس المال العام، وتزوير النتائج بأشكالها المختلفة. والعجب أن يتم التزوير في
اللجان الانتخابية التي تكون مقارها في المباني المدرسية، ويكون رؤساء هذه اللجان
وأعضاؤها من المدرسين، وبالتالي فلن يكون غريباً أن يستبيح الطلاب الغش.
دور وسائل الإعلام في
المشكلة
تُعد وسائل الإعلام من صحافة
وإذاعة مسموعة ومرئية ومكتبات، إحدى مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تسهم في تشكيل
سلوك الطالب وصياغة منظومة قيمه. والمفترض فيها أن ترسخ لدى الطلاب الفضائل والقيم
الحميدة كالصدق والأمانة وإتقان العمل.
الإعلام يساعد على الغش!
ولا شك أن كثيراً من أجهزة
الإعلام تقوم بهذه المهمة فيما تنشره أو تبثه من مواد جيدة. ولكن بعض هذه الأجهزة
قد تساهم في تكريس ظاهرة الغش وذلك بإحدى وسيلتين: الأولى: الاهتمام المبالغ فيه
بشؤون الاختبارات وتغطية أخبارها حتى أصبح اجتياز الاختبار هو الهدف من التعليم،
وهو ما قد يجعل الطلاب وأولياء أمورهم في حالة توتر طوال مرحلة الاختبارات،
وبالتالي تقل جاهزية الطلاب للاختبارات، ويضطرون إلى الغش لأن الغاية تبرر الوسيلة
في نظرهم. الثانية: تقديم بعض الأعمال الفنية (مسلسلات، مسرحيات، منوعات فكاهية)
التي تتضمن ممارسات سلوكية سيئة تحث على الغش وتشجع الطالب على التمرد على معلمه، والإخلال
بالنظام في مدرسته.
مساوئ الغش المدرسي والغش في
الاختبارات
وغني عن البيان، أن ممارسة
الطلاب للغش في الاختبارات تُعد مظهراً من مظاهر عدم الشعور بالمسؤولية، وسبباً
لتكاسل الطلاب وعزوفهم عن استذكار المقررات الدراسية، كما أن الغش يؤدي إلى قتل
روح المنافسة بين الطلاب، ويقلل من أهمية الاختبارات في تقويم التحصيل المدرسي
للطلاب، ويؤدي إلى إعطاء عائد غير حقيقي وصورة مزيفة لناتج العملية التعليمية
تنتهي إلى تخريج أفراد ناقصي الكفاءة وأقل انضباطاً في أعمالهم. وتزداد خطورة الغش
عندما تتورط فيه المدرسة، وهو ما يهدد قيم المجتمع، فمؤسسة القيم أصبحت تدمر القيم
بممارستها غير المسؤولة.
إن مضارَّ الغش تمتد إلى ما
بعد الدراسة، فالموظف أو المهني الذي اعتاد الغش أثناء تعليمه، قد يستحلُّ المال
العام، ويمارس الكسب غير المشروع والتزوير في الأوراق الرسمية، وقد يستحل الرشوة.
وعليه فإن مكافحة الغش تكفل
رفع مستوى الكفاءة وتحسين أداء الأفراد بعد تخرجهم في مجالات الحياة العملية.
العلاج
لا شك أن الغش يمثل آفة من
آفات التعليم في واقعنا المعاصر، ويتطلب علاج هذه الظاهرة إجراء دراسات متعمقة
للوقوف على أسبابها ودوافعها والعوامل المؤثرة فيها، والعمل على تفادي حدوثها.
وهنا يؤخذ على وزارات التعليم في الأقطار العربية أنها تكافح ظاهرة الغش بمنطق
القانون الجنائي، وليس القانون الوقائي، فهي تعاقب المخطئ دون أن تعالج أسباب
الجريمة، وبالتالي يستمر الطلاب في التحايل على الأنظمة والقوانين. وعليه فإن مكافحة
الغش يجب أن تبدأ بإصلاح النظام التعليمي بأكمله وتنتهي بالتشريعات الصارمة. وهي
عملية تشترك فيها جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية: الأسرة -المدرسة- وسائل
الإعلام- المسجد.. إلخ.
وفيما يلي مقترحات وقائية
وعلاجية لمعالجة هذه الظاهرة السيئة:
1- توضيح مخاطر الغش وتعارضه مع مبادئ الإسلام
ومع القيم والغايات التربوية، من خلال الإذاعة المدرسية، ومن خلال المنابر في
المساجد، وأن يتم ذلك في إطار تربية إسلامية قويمة ترسخ لدى الطلاب قيم الإسلام
وأخلاقياته السامية.
2- مراعاة الإيجاز والتركيز في الواجبات
المنزلية التي يكلف بها الطلاب وأن تتناسب مع المدى الزمني المطلوب إنجازها فيه.
إذ إن إثقال كاهل الطلاب بواجبات مطولة، قد يضطره إلى الاستعانة بغيره لإنجازها،
أو تلخيصها بشكل مخل. كما يتعين التنسيق بين المدرسين في هذا الشأن لعدم تحميل
الطالب من الواجبات مالا يطيق.
3- الاحتفاظ بفاصل زمني بين مواد الاختبار ولو
لمدة يوم، فهذا أدعى لتمكين الطالب من التركيز والاستعداد للاختبار.
4- رفع مستوى جاهزية الطلبة للاختبارات، وذلك
عبر أساليب شتى منها: مجموعات التقوية بالمدارس، المقهى الأكاديمي، حلقات الدرس
بالمساجد والجمعيات الخيرية، كما يمكن استخدام الهاتف بالمدارس للرد على استفسارات
الطلاب ومساعدتهم في فهم ما يغمض عليهم من المقرر، وذلك بتخصيص بعض المدرسين خارج
أوقات الدوام لهذه المهمة. ومما يفيد في هذا الشأن أيضاً، البرامج التعليمية
المتلفزة، كما هو موجود في بعض الدول العربية، وتتضمن شرحاً مختصراً ومسلسلاً
للمقررات الدراسية لطلبة الشهادة الثانوية العامة. كما يمكن الترخيص لبعض الجهات
بتسجيل شروح المقررات الدراسية على أشرطة تسجيل أو أشرطة فيديو، والسماح ببيعها
إلى الطلاب. وهذا التنويع في أسلوب توصيل المقررات التعليمية للطالب أدعى إلى
تحقيق الاستيعاب من الاقتصار على القراءة، لأن الطالب أحياناً يسأم من مطالعة
الكتب.
5- أن يتم إعداد الاختبارات مركزياً، أي من
وزارات التعليم، ولا مانع من أن يكون تصحيح أوراق الإجابة لا مركزي.
6- اعتماد الأسئلة المقالية في الاختبارات
والبعد عن الأسئلة الموضوعية، وذلك لأن الأسئلة المقالية تتيح للطالب عرض ما
استوعبه من المادة، أما الثانية فإنها قد تحصره في جزئية بسيطة. وبشكل يضيق على
الطالب فرصة التعبير عما حصَّله من المادة. ومن أمثلة الأسئلة الموضوعية: أجب بنعم
أو لا، اختر الإجابة الصحيحة.. إلخ. كما أن الأسئلة الموضوعية تسهل على الطلاب
ممارسة الغش في الاختبارات.
7- إصدار تشريع يحظر على مكاتب خدمات الطلبة
إعداد بحــوث للطلبـة، باعتبار هذا نوعاً من التدليس، وتوقيع عقوبات على من يخالف
ذلـك.
8- تفعيل دور المرشد الطلابي والاختصاصي
الاجتماعي في تهيئة الطلاب نفسياً للاختبارات وعلى أسلوب التعامل الصحيح مع ورقة
الأسئلة، وحبذا لو تم إجراء اختبارات -على سبيل التجربة- للطلاب لإزالة الحاجز
النفسي لديهم من اختبارات نهاية العام الدراسي.
9- تشديد العقوبة على من
يمارس الغش من الطلاب أو من يسمح بالغش من المراقبين، وهنا لا يكفي إلغاء اختبار
الطالب، بل لا بد من عقاب رادع.
Aucun commentaire